حيطان

هديل ممدوح
خاص بدحنون
 
وأريدُ حائطاً للبكاء، وحائطاً لتلملِم أمّي صورَ اليتامى وتضعهم عليه، أريد حائطاً لرسائل العشق الملوّنة، للأدلّة الساحقة الّتي تقول أنّنا كنا على قيد الرقص.
حائطاً لأسماءِ المنكوبين والمكلومين، المنكرين، المحرومين والمحروقين، الجائعين، الراقصين، الهاتفين، العازفين بأصابع مقطوعة، لأسماء الرسّامين بروحٍ من بازلت، للكتّابِ بنكهة الألهة، للمسحوقين الذّين لا ينصفهم سوى مقطع في المنطلقات النظرية لحزبٍ ما.
أريد حائطاً لأسماء المقابرِ المعتمة، وحائطاً للشتائم أضعُ عليه كلّ ما قاله سائقي السرافيس وبائعي الخضار وزعران الحارة وفي زاويته أضعُ بخطٍ صغير كلّ ما علِق في جوفي.
أريد حائطاً للأغنيات والرّصاصات الفارغة، وآخر للشظايا والوجوه المحروقة الضاحكة، واحدٌ للضحكات المسروقة وأغنيات ما قبل النوم، وواحدٌ لصور كروش جنرالاتنا، وأسماء الوزراء، وحقائب السفير، وماركات أحذية زوجة الرئيس.
أريدُ حائطاً للبيانات والأجندات الخارجية والنظام الداخلي للمنظّمات الدوليّة، حائطاً للوصايا، ولأعلّق عليه خواتم الأزواج المفقودين،
أريدُ حائطاً لحكايا الجدّات، صمت الغابات قبل اندلاع الحرائق، هربُ الحيوانات بحدسهم الغريزيّ قبل أن يأتي الزلزال، وصورةٌ لطفلٍ بحذاءٍ واحدٍ يحتال على الرصاصة هارباً بخبزٍ حيّ، أريد حائطاً لقوس قزح وواحدٌ للغمام، أريد أربعة جدرانٍ أحبس المطر في داخلها لئلّا يهجر البلاد.
أريد حائطاً للرعب، وللعقد النفسية، ولكتب فرويد، وللمبررات والاعتذارات ورسائل الشكر وبرقيات التعزية والتهنئة، وبطاقات البريد والصور التذكارية، للسيناريوهات الممنوعة بسبب الرقابة، للأغاني الهابطة والموسيقا الكلاسيكية، حائطاً للغفران والشفاعة والصلوات والرغبات والشهوات والقبلات والمعارك والأسلحة وأجهزة التنصت والمسدس كاتم الصوت، وحروف الأبجدية التي سقطت سهواً.
أريد حائطاً أكتب عليه كلمة حريّة وأهدم كلّ هؤلاء!
.

عن هديل ممدوح

هديل ممدوح
مدوِّنة ومترجمة إلى اللغة الإنكليزية

تعليق واحد

  1. حائطا واحدا لا يكفي للحرية ،،، المهم أن يكونوا أقل من اربعة

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.