** ترجمة وتدقيق نور أحمد
في رواية سيمون دي بوفوار ( دماء الآخرين ) التي نشرت عام 1945 ، ينقل الراوي جان بلومارت رد فعل صديق طفولته مارسيل تجاه كلمة ” ثورة ” :
“كانت محاولة تغيير أي شيئ في العالم أو الحياة بلا معنى، لقد كانت الأمور سيئة بما فيه الكفاية دون أن يتدخل الانسان بها. لقد دافعَت بشكل متطرف عن كل ما أدانه عقلها وقلبها : الأب، الزواج ، الرأسمالية لأن الخطأ لا يقبع في المؤسسات بل في عمق كياننا. علينا أن ننكفئ على أنفسنا ونكون أصغر قدر المستطاع. فمن الأفضل أن نرضى بكل شيئ على أن نبذل جهداً محكومٌ عليه مسبقاً بالفشل.”
يمثل إيمان مارسيل الناشئ عن الخوف بالقضاء والقدر ، كل ما أدانته دي بوفوار في كتابتها ، والأكثر بروزاً دراستها الرائدة عام 1949 “الجنس الثاني” التي غالباً ماتمّ اعتبارها النص المؤسس لموجة الحركة النسوية الثانية . حيث رفضت دي بوفوار الفكرة القائلة بأن خضوع المرأة تاريخياً وبأي شكل من ألأشكال كان طبيعي أو ” في عمق وجودنا”. بالمقابل انتقدت تحليلاتها المؤسسات ذاتها التي دافع عنها مارسيل: النظام الأبوي ، الزواج ، الاستغلال الرأسمالي.
في مقابلتها مع الصحفي الفرنسي جان لويس سيرفان عام 1975 والتي نشرت تحت عنوان ” لماذا أنا نسوية؟ ” تتناول دي بوفوار أفكار من كتابها الجنس الآخر ، الذي يصفه سيرفان شرايبر بمرجع ايديولوجي هام للحركة النسوية كما هو حال كتاب ماركس ” رأس المال ” للشيوعية. حيث يسألها عن أحد أكثر أقوالها اقتباسا :“لا يولد الإنسان امرأة ، بل يصبح كذلك” ..
أظهر ردها كم كانت متعمقة في لاماهوية مابعد الحداثة ، و كم يدين لاحقاً المفكرين النسويين لأفكارها:
” أجل ، تمثل هذه الصيغة الأساس لجميع نظرياتي … معناها بسيط جدا ، أن تكون امرأة هذه ليست حقيقة طبيعية . انها نتيجة تاريخ معين. لا يوجد هناك قدر بيولوجي أو نفسي يحدد امرأة كما هي .. إن الفتيات الصغيرات يُصنّعن ليصبحن نساء“
دون إنكار لحقيقة الاختلاف البيولوجي ، تكشف دي بوفوار زيف الفكرة القائلة بأن الفروق بين الجنسين كافية لتبرير التسلسل الهرمي القائم على نوع الجنس من حيث المكانة والقوة الاجتماعية. فتجادل بأن حالة ” الدرجة الثانية للمرأة ” ناتجة عن عملية تاريخية طويلة ، حتى لو لم تعد تعمد المؤسسات على حرم النساء من السلطة، فإنها لا تزال تنوي الإبقاء على القوة التي راكمها الرجال تاريخياً.
بعد هذه المقابلة ب أربعين عاما تقريبا – ستين سنة بعد كتابها الجنس الآخر – ساعدت نقاشات دي بوفوارعلى بدء فورة الغضب التي يبدو أنها طويلة الأمد. وعلى الرغم من أن سيرفان شريبر قام بوصف النسوية ب ” قوة متصاعدة ” تعد ب ” تغييرات عميقة ” فإن المرء يتسائل عما إذا ستكون دي بوفوار التي توفت في 1986 مستاءة من محنة النساء اليوم في الكثير من دول العالم. ولكن دي بوفوار كانت مقاتلة على عكس شخصية مارسيل في روايتها ، ومن غير المرجح أن تنكفئ عل ذاتها وتستسلم.
يصرح سيرفان شرايبر أيضاً بأن دي بوفوار رفضت دائماً الظهور على التلفاز، حتى هذا العام ولكنه كان على خطأ. ففي عام 1967 ظهرت مع شريكها جان بول سارتر في برنامج فرنسي – كندي يدعى Dossiers.
——————————
سيمون دي بوفوار 1908 – 1986: فيلسوفة وكاتبة ومفكرة فرنسية، تعد من أكثر الشخصيات تأثيرا في الحركة النسوية والفلسفة الوجودية.
كتبت الرواية والمقالة والسير الذاتية وبحثت في القضايا السياسية والاجتماعية.
ولدت ضمن عائلة برجوازية ودرست في مدرسة كاثوليكية للإناث، ثم درست الفلسفة في السوربون حيث التقت بالفيلسوف جان بول سارتر ونشأت بينهما علاقة دامت مدى الحياة. قامت بتدريس الفلسفة بعد تخرجها في مدارس عديدة ثم أصبحت أستاذة في السوربون إلى أن عزلتها سلطات الاحتلال النازي .
توفيت دي بوفوار عام 1986 في السابعة والثمانين جراء معاناتها من الالتهاب الرئوي ودفنت بجانب سارتر في باريس.
من أشهر اعمالها : المدعوة 1943 , دماء الآخرين 1945 ، المثقفون 1954، الجنس الثاني 1949, وداعاً سارتر 1981.
——————————
دماء الآخرين : تتعرض الرواية لأهم مبدأ من مبادئ الوجودية وهو المسؤولية . تدور الاحداث في فرنسا تحت ظل الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية حيث تعالج مسألة الحرية الفردية وثمنها ونتائجها على الفرد وعلى الآخرين .جان بلومارت ، قيادي في خلية مقاومة في فرنسا ، يشاهد حبيبته هيلين تموت إثر مهمة أرسلها هو إليها . ليبدأ بسؤال نفسه : هل تستحق مبادئنا العليا ( الحرية كمثال في الرواية) التضحية بالحياة من أجلها؟ لا تجيب الرواية عن هذا السؤال بل تطرح فكرة أننا مجبرون على اتخاذ القرارات بالرغم من نتائجها أو عواقبها ولا يوجد ما يسمى ب “الخيار الصحيح” لتثبت بذلك أن اليقين الوحيد في الواقع هو محدودية وجودنا.
حولت الرواية إلى فيلم عام 1982 أخرجه كلود تشابرول ومثل فيه كل من جودي فوستر وميشيل أونتكيات.
……………………………………………………….
نص المقال باللغة الإنكليزية
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.