لم يكنْ الأمرُ بحاجةٍ إلى التفكير طويلاً عند غالبيّة الثّوار وداعمي ثورة الكرامة منذُ انطلاقتها، كما أنّه لم يكلّفنا أدنى جهدٍ أو عناء لاتخاذ موقفنا الأخلاقي والانضمام لصفوف الثورة.
بالرّغم من أنّ معظمَ المنتمين للثّورة كانوا على درايةٍ أنّهم يواجهون الشيطان نفسه، ويتحدّون نظاماً قمعيّاً لن نبالغَ إن شبهناه بالشرير، ذلك العاصي لأيّ شريعةٍ أو قانون، المتخطي لأيّ خيالٍ قبيح بعنفه وجبروتِه ودهائه!
لكنّنا اليوم كما يبدو لي أنّنا نقف أمام التحدي الأصعب الذّي وضعنا فيه هذا النظام، بل ونجح في إيصالنا إلى أعقدِ نقطةٍ في داخلنا، التحدّي الأخلاقي الذّي وببساطة بسببه اخترنا الانحياز للثورة ومواجهة النظام!
لم ينجح بذلك باستمرار دمويّتهِ وعنفهِ وطائفيّتهِ فقط، إنّما بتلويث تاريخ الثورة واستنساخِ مكوّناتٍ تشبهه تماماً في جسمِ وصفوف معارضيه!
مع تطوّر الأحداثِ وتراكمِ العنف، ظهرَت بعضُ الأفعال من صفوف الثوّار حاول معظم مناصري الثورة _وربّما كنتُ أنا منهم_ حاولوا تفسيرها على أنّها أفعالٌ فردية، ومن المرفوض إسباغ الثورة ككل بصفاتها، رغمَ وصولِ هذه الأحداث والأفعال إلى الحيّز الشخصي في كثيرٍ من الأحيان حيثُ مسّت وأثّرت على الأقارب أو الأصدقاء!
الآن، باتَ من الضروريّ بل من الواجب مراجعتها على المستوى الشخصيّ بغضّ النظر عن حجمها، أو شموليتها أو حتّى فرديتها، ليس لنحكمَ عليها بل لنختبرَ ذاتنا، أرواحنا وأخلاقنا الثوريّة!
هل حقّاً نقبل بها!؟
أم أنّنا فقط نبرّر؟! أم أنّنا وصلنا تماماً إلى ما أرادهُ النظام، وهو أن نقع أمام شرّين؟ الشرّ الأول الممنهج المدرك تماماً في وعينا، والذّي اختبرناه أصلاً، والشرّ الثاني هو الشرّ الناشىء الجديد الذّي ظهر كرد فعل هكذا بصورةٍ مبعثرة ودون جسمٍ واضحٍ وبمعايير فرضتها شروط المعركة.
الشرّ الأول الثابت، الذّي لم ولن يتغيّر، والذّي أثبت بعد تجربة أنّه سيقودُ عمليّاته بهذه الصورة، في أي زمانٍ وفي مكانٍ واحد هو سوريا ما إن واجه أي ظرفٍ مشابه، الشرّ الثاني هو المتغيّر محكومٌ بظروف تاريخية يفرضها الأول، وحتى تحالفاته وعداواته اللحظية بطبيعة الحال مستقاة من الاول!
لسنا هنا أمامَ المفاضلة بين الضحيّة والجلاد، ولا المقارنة حتّى، نحنُ فقط أمامَ محاولةٍ لحماية الضحيّة من أن تغدو جلّاداً، جلّاداً لنفسها بالدرجة الأولى مبررةً ذلك بما تلقاه من العدو!
أين يجب أن أكون؟! إنّهُ الخيارُ الأصعب!
أن تبقى في صفّ العدل ولو أنصفتَ الجلّادَ للحظة، أو أظهرت تراجعاً مفترضاً عن دعمِ الضحيّة، ولكنّه في النهاية سيقتصّ للحق من الجلّاد وسيحمي الضحية من نفسها، فما تلاقيهِ من جلادها أمرٌ واقع لها القدرة أو الإمكانية لصدّه أو التفكير بصدّه أما ما قد تلاقيه من نفسها فقد يدمّرها بأسرع مما نتخيّل!
نحنُ تماماً نشبهُ اليوم ذلك المحامي، هل يدافعُ عن موكله ليربحَ القضيّة أم لقناعتهِ ببراءة الموكّل وعدالةِ القضيّة!؟وهل يبقَ الدفاعُ على حاله إن تأكّد المحامي أن الموكل مجرم؟ أجابتني المحامية الّتي طرحتُ عليها هذا السؤال أنها قد تتأثر نفسياً لكنّها ستقوم بعملها!
حسناً إنها إجابةٌ دبلوماسية تفتح أبواباً أمام التفكير.
في الحقيقة أجهلُ تماماً ما الّذي أوصلك في القراءة إلى هذه النقطة، لكنّني أعرف ما الّذي دفعني لأكتب كل ما سبق، فقد استطعت وبكلّ برودةِ أعصاب، استطعت مشاهدة مقطعٍ يُفصلُ فيه رأسيين آدميين عن أجسادهما، وقد تابعتُ الفيديو حتى النهاية!
وربّما لو كنت حاضراً بين الجموع المتجمهرة لإنجازِ هذا العمل، لربّما هلّلت مع المهللين، أو صمتت مع الصامتين، وربّما فقدتُ رغبةٍ للتعبير بالرضا أو الرفض
ما يثيرني الآن، أنّني كما الكثيرين، تمنّيتُ لمن لاقى هذا المصير، بهذا الشكل، أن يلاقوهُ بطريقةٍ أخرى، كأن يموتوا برصاصة، أو بسمّ أو أي شيء أسهل، أقول هذا برغمِ جهلي بإحساس الموت إن جاء على هيئة رصاصة أو جزّ عنق أو حتى السم، أنا فقط أظنّ أنّني أدافع عمّا تبقى من إنسانيتي بأن أتمنّى لهم موتاً أفضل، لأنّني كما الكثيرين لم أستطع أن أدافع عن حياتهم بشكلٍ أفضل، إنّها الشفقة على عنقي يا سادة، وليست القوة للدفاع عن حقهم بالحياة قبل أن ندافع عن حقهم بالقصاص ممن استساغ دمهم!