الصفحة الرئيسية / زوايا / النخب السياسية المعارضة: بعيداً عن السياسة، بعيداً عن الفاعلية

النخب السياسية المعارضة: بعيداً عن السياسة، بعيداً عن الفاعلية

عتبات الحرية
روزا ياسين حسن
خاص بدحنون

 

في الوقت الذي كانت فيه مبادرة عنان تطبخ في أروقة مجلس الأمن، قامت إحدى القنوات الفضائية (المعارضة للنظام السوري) بإجراء لقاء (من قلب الحدث) مع أحد وجوه المعارضة السورية. وبدل أن يجيب الضيف عن الأسئلة التي تتعلق بالمبادرة وبموقف المعارضة منها، الأمر الذي قد يحدد مصير سوريا في الأشهر المقبلة، راح المعارض الستيني يتحدث عن النظام (المجرم) الذي يقصف حمص الآن!! وكأنه اكتشف ذلك للتو، أو كأن النظام توقف عن قصف حمص منذ أشهر!. فيما شباب المناطق المشتعلة ينقلون، بشتى الوسائل التكنولوجية، ما يرون أنه يصبّ في خدمة ثورتهم لحظة بلحظة وصورة بصورة..

كانت تلك لقطة صغيرة تعكس أداء جزء كبير من نخب المعارضة السورية منذ بدء الثورة وحتى اليوم. فالانفعال، الذي يبدو أن الشارع عرضة له أكثر مما هو عرضة للرشد، انتقل إلى تلك النخب ليسم أداءها. ذلك أن الحديث عما يقترفه النظام، والبحث عن صغائر الدلائل من هنا وهناك لإثبات جرمه، وتبرير ردود الأفعال الشعبية الناجمة عن شهور العنف وما إلى ذلك… باتت أموراً معروفة لقطاع كبير من المتابعين، ولن يضيف أي معارض معلومات أكثر أهمية مما يتم بثّه، فهناك من يتبنى نقل المعلومة كواجب ووظيفة ثورية. ولئن كان نقل المعلومة من قبل معارضين معروفين يضفي عليها شيئاً من المصداقية في الشهور الأولى للثورة، إلا أن الشباب، الذين يعملون بدل وسائل الإعلام العالمية، ليسوا بحاجة اليوم إلى أن يسرق السياسيون منهم هذا العمل أكثر مما هم بحاجة، كغيرهم من السوريين، إلى خطاب سياسي من معارضة سياسية، خصوصاً وأن خطابها راح يبدو أقرب إلى مشادّات ساخنة في جلسات عائلية، أو إلى لغة إنشائية تقترب من الشعر، في أحسن أحوالها.

لغة النخب المعارضة تبدو مفرّغة في معظمها من الخطاب السياسي الفاعل والمؤثر والناضج الذي تحتاجه سوريا اليوم، اللهم إلا فيما ندر من شخصيات معروفة بعينها. وهذا ما جعل شرائح واسعة من السوريين الواقفين على الحياد يصرّون أكثر على حيادهم حين لم تجذبهم هذه اللغة وخطابها باتجاه التغيير الذي زادت خشيتهم منه!
ثمة أسباب كثيرة بالتأكيد تجعل من النخب السياسية السورية المعارضة مربكة، وأداؤها أقل بكثير من الطموح الشعبي وتطلعات السوريين، أهمها أنها نخب لم تمارس العمل السياسي بمعناه التقني والإيديولوجي، فقد تم تفريغ السياسة من مضمونها على مدار عقود كما تم تفريغ العمل المدني، وكان مصير المعارضين الاعتقال أو المنفى أو الموت. ولكن الشارع الذي حُرم من تعبيراته العامة، كما المعارضة، راح يتدرب خلال الثورة الذي فاجأته كما فاجأت غيره، فيما بقي أداء النخب السياسية حتى اليوم أقرب إلى تدريبات على العمل السياسي أكثر منه عملاً سياسياً. هذا ما ساهم في جعل النخب المعارضة غير قادرة على التقاط اللحظة التاريخية التي تمرّ بها البلاد! وكأن هناك من انتظر العرس طيلة حياته ولما أقيم قضاه مشدوهاً. هذا العجز عن التقاط اللحظة جعل بعض تلك النخب تنكفئ عن المشاركة في صنع القادم، وجعل بعضها الآخر بعيدة أشد البعد عن الشارع ومصرّة على حقها في قيادته من فوق، يحدوها ارتهان لماضيها (النضالي). كما جعل بعضاً منها ينقاد للشارع إلى الأقصى وكأنهم مجرد أدوات له! فيما كان أداء القلة القليلة، وحقيقة لم يكن حجمها مؤثراً، كما ينبغي أن يكون أداء السياسيين: لا قيادة ولا انقياد بل تفاعل يحقن الشارع بالوعي السياسي، قدر المستطاع، ويردم الفجوة العميقة بينه وبين تلك النخب ليجعلها قادرة على العمل الفاعل في أروقة القرار ولها مصداقيتها وتأثيرها على القواعد الجماهيرية.

هذا الأداء بالذات، بالإضافة إلى طبيعة المواقف السياسية، هو ما جعل الكثير من القيادات السياسية المعارضة تخسر كوادرها الشابة، فيما حاولت غيرها من التكتلات استخدام الشباب في نسيجها التنظيمي كإكسسوارات تضفي (الشبابية) على مظهرها الخارجي فحسب، بيد أن أداءها تكشّف مع الزمن عن الصدأ الذي طال أدواتها السياسية الهرمة. وكما عمل الزمن الطويل على تخريب علاقة المعارضة بالشارع وفصلها عنه، فقد عمل أيضاً على تشظيتها ككتلة قوية قادرة على الوقوف في وجه نظام قوي. فراحت تطرح حلولاً وتتبنى خيارات هي غير قادرة أصلاً على تنفيذها.

كل هذا وغيره قاد النخب السياسية المعارضة لتدخل، منذ ما يقرب السنة، في اللعب الإعلامية التي تدار يومياً، كما جعلها تهتم بالكواليس المظلمة على حساب المشهد السياسي، حيث ينشغل الإعلام (الموجّه) بكواليس الحدث أكثر مما ينشغل بالحدث نفسه، وقد نقل ذلك بالعدوى إلى النخب التي راحت تنشغل، في معظم الوقت، بمعارك صغيرة وخلافات جانبية لا تليق بالموقف ولا بالمعركة الكبرى، ويصبّ معظمها في باب تصفية الحسابات الشخصية والسياسية. وهذا جزء من معضلة أساسية تعاني معظم النخب المعارضة منها وهي الاستخدام المتكرر لأدوات النظام، ليس في طريقة التعامل مع الخصم فحسب بل حتى حين الاختلاف بالرأي مع معارضة آخرى. فانتشرت ثقافة الإقصاء والإلغاء والتخوين، التي تذكّر بثقافة النظام إلى أبعد الحدود. هذا ما جعل كثيراً من المعارضين اليوم يخافون الاختلاف عن سياق المزاج العام حتى لو كانوا يرونه مخطئاً! فالحقيقة راحت تتبأر في شخص أو كتلة أو تيار، ويتم تحريمها على الآخرين!! مما جعل المشهد السياسي يبدو وكأن كلاً يغني على ليلاه، ودفع بعيداً بحلم توحيد المعارضة، الذي أضحى ضرورة مرحلية ملحة، ولكن ليس بمعنى الانصهار في علبة واحدة، لمحو التلونات المطلوبة، بل بمعنى تنسيق الجهود وضمان عدم تشتيتها كما يحصل اليوم.

في النهاية يبدو الوضع السوري المأزوم إلى أقصى الحدود منعكساً على الشارع كما على النخب السياسية، وكأن النخب (القائدة) سياسياً تحوّلت إلى نخب (منقادة) للحالة وللمكان المظلم الذي يدفعها النظام إليه كما يدفع البلاد برمتها. وأعتقد بأن الوقت مازال متاحاً لتلك النخب السياسية المعارضة كي تأخذ موقعها المطلوب وتشهر خطاباتها السياسية لإنقاذ سوريا، فالشارع العاجز، حتى اليوم، عن إنتاج خطابه السياسي الناضج مازال ينتظر ما على النخب فعله، وإلا فإننا سننتظر حتى تخلق نخب سياسية جديدة من الشباب، وحتى ذلك سيكون الخاسر الوحيد والأوحد هو الشعب السوري بكل شرائحه وأطيافه وتوجهاته.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

تعليق واحد

  1. ,واضحة…وفي عين الحقيقة دائما” روزا حسن