هديل ممدوح
ربما لم تحدث من قبل، وقد تكون حدثت فعلاً دون أن نعلم لأننا لم نكن على ثقافةٍ ودراية بخفايا التكنولوجيا و”المودرن ميديا”!
ولكن أن نسمع أنّ أناساً ثارت ثائرتهم بسبب عيد سان فلانتاين وتتعدى ثائرتهم هذه حدود المنطق والمعقول والمتوقع ليقوموا بحرق المحال التجارية التي تاجرت “بالدباديب” الحمراء في بعض المناطق “كالنجف” لأنهم يعتقدون أن الاحتفال به حرام أو أنهم بذلك يتشبّهون بغير المسلمين، فهذا لا يتنافى فقط مع ما اعتاد عليه كل العالم في هذه المناسبة، ولا يتخطّى حدود حريّات المعتدى عليهم فعلياً و رمزيّاَ وأعني برمزيّاً المحتفلين في كل أنحاء هذا العالم! وإنما فإن هذا الاعتداء لا يدفعني إلا إلى التساؤل إلى أين ستمضي هذه البشريّة التعيسة بعد كل هذا؟ وما هي مسؤولتنا نحنُ المحتفلين أو المحايدين أو عدم المعارضين تجاه هذا النوع من السلوكيات؟
بالعودة إلى بداية هذه التساؤلات، هل هي حوادث متكررة في كلّ سنة، أم أنها طرأت الآن في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وإذا كانت قد طرأت فما الذي حصل ومتى حصل؟
إن الاحتفال بهذه المناسبة ليس طارئاً وربّما الاحتفاء بقديسٍ كفالنتاين جاء متأخراً جداً قياساً لتاريخ إعدامه سنة 270م في الرابع عشر من شباط وذلك لأنه كان يحترم و يساعد الشباب الذين يرغبون بالزواج آنذاك بعقد قرانهم بينما كان عقد القران أو حتّى الخطوبة ممنوعاً بأمرٍ من الأمبراطور الروماني، ظناً منه أي الامبراطور أن سبب عدم التحاق الشباب بالجيش والحرب كان أنهم لا يريدون الابتعاد عن عوائلهم ومحبوباتهم.
وهناك المزيد من الأقاويل المختلفة حول هذا القديس، فيقال أنه عندما سجن وبانتظار تنفيذ حكم الإعدام وقع بحب ابنة سجّانه الّتي كانت عمياء، ويقال أنه ساعدها على استعادة بصرها! كما أنه في تلك الفترة أرسل له أبناء القرية الورود تعبيراً عن امتنانهم لأنه شفى لهم أمراضهم.
بنيت بعد ذلك كنيسة في روما في مكان إعدامه سميت باسمه احتفاءً و تخليداً لذكراه، وأصبح الاحتفال بالمناسبة احتفالاً بالحياة على الموت، واحتفالاً بالحب على حساب الكراهية، تلك الكراهية الّتي يعجّ بها العالم في عصرنا هذا، العصر الحديث جداً الذي بات فيه كلّ شيء متاحاً وممكناً وغيرَ قابلٍ للضبط أو التواري في عصرنا هذا الّذي باتت مشاعرنا مباحة على صفحاتنا الشخصية، وطرق احتفالاتنا الّتي كانت أشد اللحظات حميمية بتنا نراها علناً وبلمح البصر!
ربّما نستفز بذلك أولئك المتطرفين، نحاكي الشرّ بداخلهم بدلاً من المحبة، وربما لو كنّا أكثر اكتراثاً بتفكيرهم لكنّا استطعنا تجنيبهم وتجنيب أنفسنا هذا العار المتمثّل بهكذا سلوك، بالطبع هذا ليس دفاعاً عن التفكير المتطرف، ولن يكون دسّاً للسمّ في العسل، ولا يأتني أحد قائلاً الجملة الأشهر: “حياتي وأنا حرّ/حرّة فيها” فهذا الكلام لا يصبّ في الاعتداء على حريّتك ولا يضعني بموضع الرقيب.
الرّهيب في هذه الحوادث هو النكوص و التراجع بتعاطي بعض معتنقي الإسلام مع الحب والمحبّين، وكأن المقدمين على هذه الأفعال مدفوعين بإفتاءات لا تقلّ سفاهةً لم يسمعوا بابن عربي أو ابن الفارض سلطان العاشقين، ولا بضريحيهما الّلذين لا زالا مزاراً و مقصداً ومحجّاً، ولم يسمعوا كذلك بقبر الخيّام في سمرقند، ولا بمولانا جلال الدين الرومي الّذي جذب مريديه بتعظيمه لفكرة ومفهوم الحبّ، ولا تزال إلى يومنا هذا تقام الاحتفالات بتاريخ ولادته وكذلك بتاريخ وفاته، في كلّ من قونية و بلخ.
لماذا يبدو أنّنا أقل محبة كلّما صار هذا العالم أكثر تقدّماً، بل لماذا كانوا قادرين على المحبة وتكريسها، ونشرها وممارستها أكثر مما نقدر الآن؟
الأمر ليس ديناً، والحب ليس حكراً على المسيحيّة، وليست المحبّة فقط أن تحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك، المهم ان تعرف -في المقام الاول- أنه اخوك!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.