قبل أن صاروا شهداء 6 أيار، مرّوا بخربة الصوخر.
وكالقلوب العاشقة رقّت حجارة (الصوخر) حين آنسها أهلُها بضيوفهم بعد طول غياب، وحقّ لها ولأهلها أن يدخلوا التاريخ لا من باب الخرافة والأسطورة، بل من باب الإنسان الصانع لتاريخه لا مرّةَ واحدةً بل مرتين: الأولى: باستضافة شهداء 6 أيار عام 1916، والثانية: بالمعركة الأخطر على حياة سلطان الأطرش مع الفرنسيين عام 1926، وهذا حديثٌ آخر..
الصوخر؛ خربةٌ في ريف السويداء الجنوبي، على مسافة حوالي 1,5 كم جنوب قرية حوط، ومثلها إلى الشرق من قرية بكّا. في أرضها تجويفٌ أشبه بسردابٍ في قلب حكاية، هو نفقٌ طبيعيٌّ وسط أرضٍ وعرة، سكنَه الإنسان القديم كما سكنَ الأنفاق والكهوف الطبيعية المنثورة في كل أنحاء الجبل.
وكعادة التاريخ النسّاء؛ رحّل ما بذله أحرارُ الجبل في حمايتهم من الموت إلى مكبّ النسيان، وخان أمانة خبزٍ صنعته نساؤهم مع الدعاءِ والصبرِ على غياب رجالهن عن بيوتهم ليحرسوا الضيوف الرفيعين.
حمد المصفي(1)في ديوان الشاعر حمد المصفي ـ قيد الإصدار ـ دُوّنتْ واقعة الصوخر
خطّ المصفي خيبات زمنه العاصي شعراً شعبيّاً صادقاً وراقياً أليماً وحماسيّاً معاً، وفي مقدمة ديوانه سيرةٌ ذاتيّة وجمعية للمكان وأهله، فيها وقائع نادرةٍ وثمينةٍ طالها السهو أو الإهمال فلم تدوّن سابقاً، ربما كانت تنتظر الإنصاف من ذاكرة المصفي النادرة..
وأنا، نجاة عبد الصمد، ليس لي منها سوى صياغتها بما أرجو أن يليق واحدٌ من الذين أفنوا سنيناً في تقصّي هذه الواقعةِ/ الحكاية، وشبيهاتها، وحفظ تفاصيلها عن لسان أصحابها ومن الرواة الثقات في جبل العرب.
عام 1908 أسّس مفكرون وعلماءُ وطلابٌ عرب مقيمون في فرنسا جمعيةَ (العربية الفتاة)، وسريعاً استقطبتْ نخبة العالم العربي بدءاً من سوريا ولبنان. جاء تأسيسُها جواباً على جمعية تركيا الفتاة 1905 التي أرادتْ تتريك شعوب السلطنة العثمانية وطمس هويّاتهم الأصيلة. نالتِ العربيّةُ الفتاةُ دعمَ وتشجيع الفرنسيين، بينما شعر زعماؤهم بخطرها عليهم مستقبلاً، فقد كانت عيونهم على سوريا/ حصّتهم الفضلى من اتفاق (سايكس بيكو).
مضتْ أسابيع وبدأ الأتراك بملاحقتهم في خلخلة في اللجاة. لكنّ اللجاة التي أسماها أحدٌ قادة فرنسا لاحقاً: “قلعة الله” أخفتْهم في مجاهلها ستة شهور، يسندهم أهالي خلخلة الذين احتملوا بسبب ذلك تضييق الأتراك عليهم وملاحقتهم والعسف بهم.
كان ذلك عام 1915، وقد بدأ نجم سلطان الأطرش يلمع كزعيمٍ ينادي للتحرر من سلطة الأتراك، فقد كان له في ذمّتهم ثأرٌ وطنيٌّ انضاف إليه الشخصيّ بعد أن شنقَ الأتراكُ والدَه (الشهيد ذوقان الأطرش) ونخبةً من زعماء الجبل في 8 آذار 1911.
بعد ثلاثة شهورٍ كشف الأتراك مكانهم الجديد، وعرف الشهابي (مدير ناحية ملح الذي كان على اتصالٍ سريّ بالوطنييّن في الجبل) أنّ قواتٍ حكوميّةً تتجمّع في صلخد لمداهمة الضيوف. أرسل الشهابي آذن مديريته إلى امتان ليطلب من حسن صياغة (عديل الآذن) أن يذهب إلى قرية أبو زريق. في الصباح التالي وصل حسن إلى أبو زريق وأنذرهم، وأثناء رجوعه صادف القوة المداهمة في طريقها إليهم، بينما كان الرجال غادروا مخبأهم منذ ساعاتٍ فقط إلى وادي الشامي المعروف باسم (مكنع راعي المليحة).
عندما أنشد عبد الغني العريسي لحظة اعتلائه منصّة الإعدام:
نحن أبناء الأُلى
شادوا مجداً وعُلا
المراجع
↑1 | في ديوان الشاعر حمد المصفي ـ قيد الإصدار ـ دُوّنتْ واقعة الصوخر خطّ المصفي خيبات زمنه العاصي شعراً شعبيّاً صادقاً وراقياً أليماً وحماسيّاً معاً، وفي مقدمة ديوانه سيرةٌ ذاتيّة وجمعية للمكان وأهله، فيها وقائع نادرةٍ وثمينةٍ طالها السهو أو الإهمال فلم تدوّن سابقاً، ربما كانت تنتظر الإنصاف من ذاكرة المصفي النادرة.. وأنا، نجاة عبد الصمد، ليس لي منها سوى صياغتها بما أرجو أن يليق |
---|
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.