الصفحة الرئيسية / زوايا / بالزاوية - فادي عزام / حقيقة نص فادي عزام (إنها دمشق يا أولاد القحبة) ولماذا تمت نسبته إلى مظفر النواب زورا؟

حقيقة نص فادي عزام (إنها دمشق يا أولاد القحبة) ولماذا تمت نسبته إلى مظفر النواب زورا؟

كُتب هذا النص (إنها دمشق يا أولاد القحبة) ونشر في جريدة أكسجين الثقافية التي تصدر من الإمارات في العدد 21 بتاريخ: 6-11-2005.

النص نقل كثيرًا، بعضهم نقله بأمانة وإشارة إلى كاتبه والموقع الذي يحتفظ بحق النشر. وبعضهم لم يذكر وبعضهم نسبه إلى نفسه واعتذر لاحقا. وبعضهم لم يعتذر بنسبة النص إلى الشاعر الكبير مظفر النواب (أبا عادل). يعني من أجمل ما قيل في نصي ولكن أعتقد أن شاعرنا الكبير. بمستواه وتاريخه لن نرتقي لمكانته. سواءاختلفنا معه أو اتفقنا.

قام الصحفي العراقي “جمال محمد تقي” – وهو من المتسببين بنسبة النص إلى مظفر-  وجيره سياسيا. بعد تفجيرات الأربعاء الدامي في بغداد عام ٢٠٠٩. حينها شنت حكومة  بغداد والمالكي .. تصعيدًا على حكام دمشق .. فقام الصحفي .. بنسبة النص إلى مظفر واقحمه في سجال أخر وفضاء أخر بنشر تصحيح في الموقع نفسه مع اعتذار..

النص صدر مطبوعاً عن دار ميريت في القاهرة 2010 بعد أن رفضته الرقابة السورية مع مجموعة أخرى من 23 نصاً بعنوان (تحتانيات) يمكن تحميل النسخة الإلكترونية منها على هذا الرابط

أعدت التوضيح بخصوص النص على موقع صفحات سورية ونشرته مطبوعاً في صحيفة القدس العربي بنفس السنة.

وأيضاً ظل الموضوع دون جدوى. بقي ينتشر كنص لمظفر النواب حتى قامت باحثة عراقية مختصة بشعر النواب بالكتابة عن ظاهرة نسب هذا النص، توضح به أسباب الالتباس.

نشر النص على يوتيوب بصوتي في بروفة غير نهائية قام بها صديق مشكورا عام 2010 في شهرأبريل نيسان.

قامت قناة الإخبارية السورية بسرقة علنية رغم معرفتها بصاحب النص، بصناعة ما اسموه – راجع الرابط – وجيروه لمصلحة النظام . بعد حذف ما أرادوا منه  سنة 2013

ردت عليهم الإعلامية نسرين طرابلسي بمقال عن السرقة الموصوفة في القدس العربي

 

هنا النص كما هو بدون الزيادات التي أدخلها عليه الصحفي العراقي
ولا الحذف الذي اعتمده بعض من سوق النص على هواهم.
أرجوا اعتماده لمن يريد.  
فادي عزام

 

إنها دمشق يا أولاد القحبة

شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، توأم القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مِغْنَاجٌ المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.‏‏‏‏‏

إنها دمشق امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشر ألقاب، مثوى ألف ولي ومدرسة عشرين نبي، وفكرة خمسة عشر إله.‏‏‏‏‏

إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.‏‏‏‏‏

من على شرفتها أطلّ هشام ليغازل غيمة أموية عابرة، “أنى تهطلي فخيرك لي” بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البرينيه.‏‏‏‏‏

إنها دمشق التي تحملت الجميع، قوّادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانين وشهوانيين….

رُضِعت حتى جفّ بردى، فسارعت بدِّمها بشجرِها وظلالِها، ولمَّا نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها- شامتها الأثيرة- يَلعقونه يَتسلقونه، يطلّون منه على جسدِها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك..

لكنَّها دمشق تعود فتية كلما شُرِقَ نقي عظامها.‏‏‏‏‏

إنها دمشق أيّها العرب العاربة والمستعربة قِبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلاً واعتمر دشداشة، ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي، الذي صرخ منها:”إلهكم تحت قدمي”1‏‏‏‏‏

هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها ألبسته حياً من أحيائها وقالت له انطلق أنت أجلُّ الأموات‏‏‏‏‏.

فغنى لها”كل ما لا يؤنث لا يعول عليه”‏‏‏‏‏

إنها دمشق لا تعبأ باثنين، الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي ٍعلى شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلا يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها المحفوظ.‏‏‏‏‏

دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها، لا تقرأ بالكلمات بل بإحصاء ضحكات الله ومكائد الملائكة.‏‏‏‏‏

دمرَّ هولاكو بغداد وصار مسلماً في دمشق، حرَّر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق، قدم لها الحسين ابن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق، وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمسة فراسخ ودفلة على طريقة دمشق.‏‏‏‏‏

إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة تركل عشاقها خارجاً بقسوة نادرة كي لا ينسفح الكثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقين تحت أظافرها.‏‏‏‏‏

إنها دمشق: تتقن عمل الله ومَكره حين يمهل ولا…

حين يحب الجمال، وحين يستريح طوال الأسبوع ويعيد خلق العالم على مهل دون أن يعرف أي أحد متى يكون اليوم السابع.‏‏‏‏‏

لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.‏‏‏‏‏

لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم.‏‏‏‏‏ من الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس.

لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس مُلحدوها عبق إبط الملائكة، ومن المداخن ما يكفي “لتشحير” وجه الكون.‏‏‏‏‏

لديها من الموت ما يكفي لينفخ إسرافيل في {الصُوْرْ} معلناً قيامتهم جميلين، ليعانقوا الموتى الآخرين  للمرة الأولى والأخيرة. ‏‏‏‏‏

ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مُذنَّب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.‏‏‏‏‏

لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و”الشحاحيط” المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتوراً.‏‏‏‏‏

لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتها ويدخنوا سجائرهم على مهل.‏‏‏‏‏

لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما الذين لم يكن لديهم وقت‏‏‏‏‏

لديها من الخمر ما يكفي كي يثمل العرب جميعاً، ومن النوم ما يكفي كل ما حلم به الأنبياء.‏‏‏‏‏

لديها من النهايات ما يكفي ثمانين إلياذة، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.‏‏‏‏‏

لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.‏‏‏‏‏

لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى، ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهثُ يرمحُ يسبحُ، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.‏‏‏‏‏

دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين في أرقى أحيائها تسمع وجع “الطبالة”، وفي ظلمة “حجرها الأسود” يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من”المهاجرين”.‏‏‏‏‏

دمشق لا تُقسم إلى محورين، فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي و”زملكاوي” ولا كما باريس ديغول وفيشي ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين ولن تكون كعمّان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء وأخرى بلون الدم.

دمشق مكان واحد فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابي، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة‏‏‏‏‏ وإذا أضعت طريق الجامع الأموي، ستدلك عليه”كنيسة السيدة”

لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار فهي تسخر من كليهما من يدعي أنه يحميها ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضُها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أم سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.‏‏‏‏‏

فتخرج سيجارة حمرا طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة “الفرس”، وتقول جملة واحدة للجميع “إنها دمشق يا أولاد القحبة”.‏‏‏‏‏

عن فادي عزام

فادي عزام
كاتب سوري، صدر له "تحتانيات" نصوص. "سرمدة" رواية ترجمت الى الإنكليزية والألمانية والإيطالية

4 تعليقات

  1. رائعةكل ماقراتها تشعر أنك يجب أن تقرأها مرة أخرى شكراً على التوضيح اً

  2. رائعة جدّاً. ما كنت أعلم أنّها لك.

  3. ان اول من قال للحكام العرب ابناء القحبة هو الشاعر العراقي مظفر النواب فبقية هذه الجملة كماركة مسجلة بأسمه فلهذا نسبة هذه القصيدة الرائعة بأسمه وليس بأسم شاعرها الاصلي .. كذلك ان الشاعر ذكر هشام يداعب الغيمة والاصح هو هارون الرشيد … مع تحياتي

  4. نص سوري مستباح والجاني أدباء وكتاب وصحفيين!

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.