حديثُ الأحياء

أمل فارس:: من بين ثلاث جنازاتٍ حضرتُها غاب عنها وجه أبي.
الجنازة الوحيدة التي لم أحضرها علقت في مخيلتي.
نحن أبناء المُخِيّلة لسنا أبناء الحقيقة.
للحقيقةٍ أبناءٌ، يولدون عجزةً ومعاقين، يموتون كذلك، لكنّهم يتركون ألماً حادّاً في قلوب من يعرفهم..

مَسُّ القِمار

ماجد اليمن::يوقظني عند الفجر نحيبٌ لمواءاتِ قططٍ، تتشاجر فيما بينها حول هيكلٍ عظميّ لسمكةٍ وحيدة، وبينما هي تنشغل بذلك، يقوم عجوزٌ من المشرديّن بسرق بقايا السمكة، فلا يجد فيها سوى العينين، ما يُمكن أن يؤكل، يفقأهما بكلا بَاهميه، ثمّ يمتصهما دفعةً واحدة. أشعلُ سيجارةً أولى ثمّ أقف على يديّ وأهيمُ على وجهي فوق كتف الأرض، أمطّطُ ساعديّ، أُليّنُ جانبيّ وخصري، وأعود إلى أول الشارع.

مقاطع من كتاب: رحلة إلى قبور ثلاثة شعراء.

تنشر دحنون هنا مقاطع صغيرة منه -بشكل عشوائي ودون إضافة أيّ رأيٍ أو نقد-، ضمن خطّتها نشر مقاطع من إصدارات حديثة وقديمة بما يخدم القراءة والتّعريف بالكتب وبأصحابها، كما ترحّب دحنون بأيّ رأيٍ نقديٍّ لهذا الكتاب أو غيره، وتفتح باب المساهمة أيضًا في اختيار كتبٍ تستحق التذكير بها.

رسائلٌ خاصةٌ لسوريٍّ استَنفذَ سنواتِ التّأجيل / الرسالة رقم 2

قتيبة الخوص:: البارحة رأيتكِ في المنام.. كنّا أنا وأنت في غرفتي والجوّ باردٌ جداً.. وقود المدفأة قد نَفذ.. وكان يخرج من فمي بخارٌ.. كثيفٌ.. كنتِ ترتدين ملابسي كلها قطعةً قطعةً.. بينما كنتُ عارياً وأرتجفُ..

تلمّستِ صدري وسألتِني بسخريةٍ " لماذا ترتجف؟"

اسمي عمران، وهذه سيرتي الذّاتيّة

قاسم البصري - اسمي عمران، وُلدت قبل خمس سنينٍ في مدينةٍ تدعى حلب، وحلبٌ هذه كانت قد مرّتها وخرجت منها عشراتُ الحضارات والممالك، من يمحاض العمّورية إلى سيف الدّولة الحمداني، وموسكو لم تكن قد بُنيت فيها حجارةٌ بعد،

الخارج

فهمي بلطي - كتاب بأسره كتبه غوركي اسمه أمّي. أقصد, اسمه الأمّ. هل تراني سأمزح بأمّي من أجل مجرّد استعارات؟ ليس للأمر علاقة بقداسة الأمومة، ولا بدناسة العالم، بل بشيء آخر رهيب وغامض وبعيد كلّ البعد عن الخير والشرّ، والجمال والقبح. أمّي.

علبة الأحلام!

غفران طحان - نادراً ما أسمح لنفسي بحلمٍ عفويّ، فكلّ أحلامي مرتبةٌ ضمن قائمة أحضرها بشكلٍ دوريّ، ثمّة أحلامٌ قديمة مازالت مدسوسة في قعر الذاكرة، أحياناً أخرجها، وأنفض الغبار عنها لأرتديها ذات ليل هادئ..

عن “يسرى مارديني” وذلك الفرح النّاقص!

جمال خليل صبح - كتبت الصديقة نسرين طرابلسي مقالا قصيرا في "دحنون"عبّرت فيه عن رأيها بقصّة السباحة السورية يسرى مارديني وودت التعليق على ما جاء فيه، لا أبغي فيه "ردّا" على عادة المتحزّبين أو الواقعين على طرفي نقيض، متوجّسا من ذهنية الرد والردّادين، وإنما تماشيا توضيحا أسعى من خلاله الى توسيع هامش الإدراك والتبصّبر بموضوع بات يمسّنا جميعا كسوريين أو كلاجئين أو كمشاريع محتملة للجوء والنفي، و"القوالب الجاهزة" أيضا.

سَكينةُ الشُّرود

ماجد اليمن:: - يخافُ المرءُ من الموت قدرَ خوفه من المجهول. أمّا أنا، فأخشى الرحيلَ مبكّراً، مع ذلك، لم أُولَدْ بعد، ما زلت كواركاً، وتراً، مالانهايةً، ولربّما فراغ.

-لا يحقُّ لك الإنتحار وأمُك حيّة، أما زوجتُكَ، فحيّةٌ واجبٌ قتلَها، لسانُها عابثٌ بالسُّمِّ، لولاها ما انتحرت.

-أحبُّ في الشهر مرّتين . وفي اليوم امرأتين.

حديث الأحياء

أمل فارس - أمرٌ مُحبِطٌ أن تكون فكرة الموت حاضرةً في الذِّهن طوال الوقت، مدهشٌ كذلك، تخيلوا فقط كمّ الطيبة المُنفَلتة حينها!.

سرُّ الخطّاط الدَّفين

فادي عزّام:: ينقل رفيق شامي، استناداً إلى بعض المصادر، عن ابن مقلة ألمه حتى بعد أن ردّ له الخليفة اعتباره:
"يدي خدمتُ بها ثلاثة خلفاء وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين تُقطع كما تقطع أيدي اللصوص".

مِحجَرُ عَينْ

محمد الحاج حسن:: "اذهبْ وتعلّم لغةً أخرى، قضيتُ سنواتي في تَعلُّم لغة الموتى، لكي أعيدَهم، ولم أستطعْ، لعلّك تجدُ حبيبةً هناك، تقرأ عليها أشعاراً عن النّصر والحبّ، واحذرِ المسخَ الذي في دواخلِنا، لربّما يَنبتُ لكَ جناحان من جهنّم، فتعودُ قاتلاً، كما أصبحتْ الشّظايا وكلماتِنا المسروقة"

حتّى الّذين خَرجوا سَالِمينْ

أحمد إبراهيم :: كان الشّتاء أكثرَ قسوةً من الحرب كلِّها،
كنتُ أحاولُ دائماً إخفاءَ رجفَةِ البردِ، كي لا يعتقدَ الآخرون أنّها خوفٌ من المعركة.
في السّابق، كانتْ جدّتي دائماً تُرغِمُني على ارتداءِ كنزةِ صوفٍ عتيقةٍ خوفاً من بردِ الشّتاء.
لهذا أردْتُ أن أصبحَ كاتباً، كي أكتبَ الشّتاء دونَ كنزةِ صوفْ.

عن خوفِهَا أذكرُ هذا..

أمل فارس:: في ذلك المنزل يموج خوفٌ معتّقٌ سَيثِبُ في وجهكَ ليصفعكَ بهدوءٍ مريب، هل شعرتَ بنسمة خوفٍ من قبل؟ أجل ومن منّا لم يفعل، هل رأيته؟
بالطبع لا، إنّه يعشّش في المنازل كحشراتٍ الكوموهين "الأرضة" تلك التي تحتلّ الأثاث وتبدأ بالتهامه بصمتٍ وسريّة فتحِيله أجوفاً، وفي يومٍ عاديٍّ ومشْمسٍ بينما تُبدّل ثيابكَ ستكتشف بأنّ خزائنكَ ليست سوى حفنةٍ من الغبار، الخوف كذلك يفعل يلتهم الأحاسيس جميعها ليحيل أصحابها إلى هياكل فارغة.